مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #1  
قديم 23/04/2002, 07:01 AM
د . عبد الله قادري د . عبد الله قادري غير متواجد حالياً
كاتب ومفكر إسلامي
تاريخ التسجيل: 06/12/2001
مشاركات: 485
لكم الله أيها المجاهدون الحلقتين (3) و (4)

لكم الله أيها المجاهدون(3)

تضمنت الحلقة الأولى من هذه السلسلة منزلة المجاهدين عند الله، وعند سلفنا الصالح، وعلى رأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وما آل إليه الأمر لدى المسلمين في العصور المتأخرة، وبخاصة في هذا العصر الذي انقلبت فيه الموازين، وانعكست القيم.

وتضمنت الحلقة الثانية ما ناله المجاهدون من شباب الأمة الإسلامية في هذا العصر، من رفع راية الإسلام وإعادة الروح الجهادية إلى المسلمين، وكيف هزم رجال الجهاد ثاني قوتين عظميين في العالم، وهي دولة الاتحاد السوفييتي، التي خرج جيشها يجر أذيال الهزيمة، وما أعقب ذلك من تمزيق الله وحدة تلك الدولة وما نزل بها من ضعف وهوان.

وكيف عاملت الدولة الصليبية أولئك المجاهدين الذين استفادت من جهادهم القضاء على قوة عدوها اللدود "الاتحاد السوفييتي" ثم قلبت لهم ظهر المجن، وحشدت لحربهم دول العالم بما فيه دولهم، لمحاربتهم واعتقالهم، ومحاكماتهم محاكمات عسكرية ظالمة... فنالوا على جهادهم ما ناله سنمار، الذي رثى له الشاعر في قوله:

جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر

،،،،،،،،،،،،،وحسن فعل كما يجزى سنمار


وتتضمن هذه الحلقة موقف حكومات الشعوب الإسلامية، والسلطة الفلسطينية، من شباب الحركة الجهادية في الأرض المباركة "فلسطين" الذين نذروا أنفسهم لدفع العدو اليهودي الذي احتل أرضهم، ودنس مقدساتهم ومقدسات الأمة الإسلامية، وعلى رأسها المسجد الأقصى الذي أحرقه اليهود سنة 1969م ومنعوا -ولا زالوا يمنعون- كثيرا من أهله من الصلاة فيه، ويقومون بالحفر تحته بحجة البحث عن هيكلهم المزعوم، وهدفهم من ذلك هدمه بطريقة خداع وخبث.

وشردوا أهلها من مدنهم وقراهم وبلادهم، وعاملوا من بقي منهم معاملة تتنزه عنها وحوش الغاب، واستمروا على ذلك خمسين عاما يعيش فيها أهل البلاد الأصليين عيشة ذل وهوان، وزعماء الشعوب الإسلامية ومنها الزعماء العرب يتفرجون على حالهم تفرج من لا يعبأ بشيء.

وظن اليهود والدول الصليبية المعاصرة التي غرست الدولة اليهودية في قلب العالم الإسلامي، كما ظن كثير من زعماء العرب والمسلمين، أن أبناء فلسطين قد استسلموا للأمر الواقع، وخنعوا للدولة اليهودية المحتلة، وبخاصة الجيل الذي ولد وترعرع في ظل الغطرسة اليهودية الظالمة، ولا سيما بعد هزيمة 1967م التي سيطر فيها اليهود على كافة الأرض الفلسطينية من البحر إلى النهر، بل وسيطرت على أراض أخرى من أراضي الدول المجاورة.

ولكن ظن الجميع خاب، عندما خرج صبية صغار من أبناء الأرض المباركة، في عام 1987م يحملون سلاحين عظيمين:

السلاح الأول:
سلاح الإيمان والاعتزاز بالله والتوكل عليه، وخوفه وحده دون سواه، وتفقهه في مضامين سور الجهاد في سبيل الله، كآل عمران، و الأنفال والتوبة، والأحزاب، والحشر.. وذلك أقوى سلاح وأمضاه.

السلاح الثاني:
هو الحجر الذي تحول في أيديهم من مادة جامدة، إلى صواعق ارتعدت لها فرائص العدو المدجج بتلك الأسلحة الفتاكة، الذي لم يكن يدور بخاطره أن يخيفه طفل بحجر، وهولم يكن يعبأ بجيوش 22 دولة عربية ما يقارب خمسين سنة.

فكان ذلك أمرا عجبا أذهل اليهود والدول الصليبية التي تمدهم بالمال والسلاح والسياسة والاقتصاد والدبلوماسية، وتهدد من يفكر في أن يحرك ساكنا ضد الدولة اليهودية المحتلة، بالويل و الثبور، بل أذهل العالم كله بما فيه زعماء الشعوب العربية والإسلامية.

وتساءل الجميع:
ما هذا؟ أهو حقيقة ستستمر؟ أم هي عواطف صبيان تقطعها رصاصات يهودية تسيل دم عدد منهم؟

وما درى أولئك جميعا عن ذلك السلاح المعنوي العظيم، الذي يحول المتنعم المترف إلى خشن صلب متقشف، والجبان الرعديد إلى شجاع صنديد، وذا الخمول الكسلان إلى نشاط بركان.

وكانت نتيجة تلك الحركة الجهادية المباركة، أن تحركت اليهودية الصهيونية، والصليبية العالمية، والعلمانية العربية... للبحث عن وسائل وآلات تمكنهم من القضاء على هذا المارد الذي استيقظ بعد نوم عميق، وتنبه بعد غفلة طويلة، في ظل دولة يهودية ظالمة، أخافت آباءه وأجداده بالتشريد والاعتقال والسجن والتقتيل، وأغرته بالشهوات والملهيات.

فلم يجدوا لهم مخرجا من ذلك إلا تقريب من كانوا يعتبرونهم أعداء ألداء، وهم قادة منظمة التحرير الفلسطينية، فحشدوا قادة العالم –ومنهم زعماء المسلمين من العرب وغيرهم- في مدريد، ثم حصلت الخلوة السرية غير الشرعية في أوسلو.

وتم في تلك الخلوة ما سمي باتفاقية (أوسلو) التي اشترط فيها اليهود على ما سمي فيما بعد بـ"السلطة الفلسطينية" القضاء على الحركة الجهادية، وعلى رأسها منظمة حماس والجهاد الإسلامي....

وكان هدف اليهود والأمريكان والدول الغربية، إيقاد نار الحرب بين المجاهدين الفلسطينيين والسلطة، لاعتقادهم بأن السلطة ستنفذ الشروط التي أمليت عليها، وأن المجاهدين سيصوبون سلاحهم ضد السلطة حتى يتفانى الفلسطينيون فيما بينهم، وسيمكن ذلك اليهود من الراحة والاطمئنان.

ونفذت السلطة كثيرا من شروطه اليهود، فزجت بالمجاهدين في السجون والمعتقلات، وعاملتهم معاملة وحشية في التحقيق وآذتهم أشد أذى، فكانوا بين نارين: نار العدو السافر، ونار القريب الغادر، وهذه النار أشد وأنكى من تلك:

وظلم ذوي القربى أشد مظاظة

،،،،،،،،،،،،،،،،،على المرء من وقع الحسام المهند

ولكن رجال الجهاد صبروا على أذى إخوانهم في الأرض والعروبة والإسلام! واعتبروا صبرهم عليهم نوعا من أنواع الجهاد، ليفوتوا على العدوين اليهودي والصليبي هدفهما الماكر، واستمروا في توجيه الضربات الاستشهادية للعدو اليهودي، في عمق استيطانه من القدس إلى تل أبيب وحيفا... فزلزلوا الأرض تحت أقدامه... وأنزلوا في نفوسهم رعبا لا قبل لهم بالصبر عليه...

وعندئذ تواطأت على استئصال المجاهدين والقضاء عليهم، الإدارة الأمريكية بقيادة ساستها، ودبلوماسييها واستخباراتها، بترتيب وتأييد من غالب زعماء الدول العربية وغيرهم... فعقد مؤتمر القمة لمحاربة الإرهابيين (يعني المجاهدين) في شرم الشيخ بزعامة الرئيس الأمريكي "كلنتون"

ومن نصوص الاتفاق:

(((الأمن

يعمل الطرفان وفقاً للاتفاقيات السابقة على ضمان علاج فوري ناجع وفعال في كل حدث بما ينطوي على تهديد بالإرهاب أو ممارسة العنف أو التحريض عليه سواء نفذ من قبل فلسطينيين أو إسرائيليين، لذا يتعاون الطرفان ويتبادلان المعلومات وينسقان المواقف ويردان بقوة وبشجاعة على الأحداث التي تقع أو يتوقع حدوثها. وأكدت الاتفاقية على التزام الطرف الفلسطيني بتنفيذ كل تعهداته في المجال الأمني وخاصة فيما يتعلق بـ:

- قضية جمع السلاح غير القانوني وتقديم تقرير عن ذلك.

- تقديم قائمة بأسماء الشرطة الفلسطينية للطرف الإسرائيلي.

- إلقاء القبض على المشتبه فيهم وتقديم تقرير بذلك للطرف الإسرائيلي في موعد أقصاه 13/9/1999.)))

http://www.aljazeera.net/in-depth/do...1/1/1-13-3.htm

http://www.aljazeera.net/news/arabic...12/12-27-4.htm

وقامت السلطة الفلسطينية بغالب ما طلب منها من إلقاء القبض على المجاهدين من حماس والجهاد الإسلامي، وأودعتهم في السجون والمعتقلات، وضيقت الخناق على من بقي منهم في منازلهم، حتى الشيخ المعاق أحمد يس حكمت عليه بالإقامة الجبرية في منزله، ومنعت جماعته وجيرانه من زيارته، وأحاطت الشرطة بمنزله.

وتعاون عملاء اليهود معهم تعاونا قضى على كثير من رجال الجهاد، ومنهم أحمد عياش والشقاقي... وغيرهم... بل إن السلطة الفلسطينية أطلقت نيران أسلحتها على المجاهدين من حماس وأعوانهم في يوم جمعة بعد خروجهم من الصلاة، إرضاء للأمريكان واليهود، ووفاء بما التزمت به.

ولا نريد الاستطراد في هذا الأمر، فهو معروف للقاصي والداني، ويكفي أن نعلم أن بعض أعضاء السلطة الفلسطينية أطلق على المجاهدين الاستشهاديين مصطلح الصليبيين واليهود "إرهابيين" بل إن ياسر عرفات نفسه أطلق عليهم ذلك، محاولا إثبات صدقه في وعده لوكالة الاستخبارات الأمريكية التي تتولى رئاسة الاجتماعات الأمنية بين السلطة و اليهود.

وما الغضب الأمريكي واليهودي على السلطة الفلسطينية الحالية، إلا لأنها لم تستأصل الجهاد والمجاهدين، اللذين يوصفان لدى الأطراف الثلاثة بالإرهاب والإرهابيين.


لكم الله أيها المجاهدون(4)

ومعلوم أن اليهود لم يفوا بشيء مما اتفقوا عليه مع السلطة، وإنما كانوا يضغطون عليها ضغطا مباشرا، أو عن طريق وسطاء من الأمريكان والأوربيين وبعض زعماء العرب، حتى تتنازل السلطة عن كثير من مطالبها، وكلما تنازل ياسر عرفات عن شيء من حقوق الشعب الفلسطيني، وافقه على ذلك زعماء العرب، بحجة أن الشعب الفلسطيني هو صاحب الحق، فإذا رأت السلطة موقفا فيه مصلحة –وهمية-فهم لها فيه تبع.

وكلما اشتد ضغط اليهود والأمريكان على السلطة، اشتد ضغطها على المجاهدين، فلم يمر وقت من الأوقات دون إنذار وتهديد أو اعتقال وسجن.

ولولا أن المجاهدين وطنوا أنفسهم على تحمل أذى السلطة وملاحقتها لهم، وجعلوا تحملهم ذلك نوعا من جهادهم، لحققوا لليهود هدفهم، وهو التناحر والاقتتال بينهم وبين السلطة الفلسطينية، وهو الذي سيريح اليهود من هجمات المجاهدين، ويشغل الشعب الفلسطيني بأكمله عن مخططات اليهود الاستيطانية، وطمس الهوية الفلسطينية في جميع الأراضي المغتصبة بما فيها القدس والمسجد الأقصى.

ولقد كنا نتوقع أن ما ناله المجاهدون من أذى الطرفين: اليهود والسلطة، ستناله السلطة من اليهود، لا رجما منا بالغيب، وإنما لما نعلمه يقينا من مكر اليهود وكيدهم قديما وحديثا، وما نعلمه من سنن الله أن الظالم ينال جزاء ظلمه في الدنيا والآخرة...

وقد أرسلت رسالة لكثير من المواقع العربية موضوع عنوانه: "ألا إني أكلت بوم أكل الثور الأبيض" مرات... ووجهت للقراء سؤالا: من المقصود بذلك؟ فأجاب أحد القراء: أظن أن المقصود به ياسر عرفات. فعقبت عليه بقولي: "فقط"؟

واليوم وقد أكل اليهود السلطة الفلسطينية-بل الشعب الفلسطيني عامة- في وسط محيط مليار ونصف المليار من المسلمين، وفي وسط 300 مليون من العرب، نتوقع أن تأكل الدولة اليهودية الصهيونية، والدولة الصليبية الأمريكية... ثيرانا أخرى، إن لم يتدارك المسلمون والعرب وضعنا السيئ الذي نعيشه. ويبدو أن الثور القادم هو العراق... ثم (....؟)

ومع هذا كله فإن القرائن تدل على تواطؤ ماكر خبيث بين الأمريكان واليهود، وبعض الزعماء العرب، والسلطة الفلسطينية على ضرب الحركة الجهادية في فلسطين.

ولست أدري في المرحلة القادمة هل يستطيع المجاهدون الصبر على ظلم السلطة الفلسطينية وتواطؤها مع اليهود وبعض زعماء العرب عليهم، أو أن هدف اليهود والأمريكان –وهو تفاني الفلسطينيين فيما بينهم-سيتحقق، لأن للصبر حدودا، وصبر المظلوم على استمرار ظلمه- وهو صاحب حق- من أصعب الأمور على نفسه.

إن القرائن اليوم تدل على أن السلطة الفلسطينية ستنفذ شروطا قاسية يفرضها عليهم اليهود والأمريكان والدول الأوربية، وكثير من زعماء العرب، وأهم تلك الشروط القضاء على الحركة الجهادية في الأرض المباركة...

وسيكون وضع هذه الحركة وضعا صعبا جدا، لأن التعاون عليهم سيكون قطريا وإقليميا ودوليا، بحجة محاربة الإرهاب التي تتزعمها الدولة الصليبية أمريكا، بتشجيع قديم ومتواصل من الدولة اليهودية.

وإننا لننذر السلطة الفلسطينية من عواقب وخيمة ستجلبها على الشعب الفلسطيني، إذا هي نفذت مطالب اليهود والأمريكان ضد رجال الجهاد، وإذا كان الشعب الفلسطيني قد وقف وقفة رجل واحد ضد الهجمة اليهودية على المدن الفلسطينية وحصار زعيمهم، فإن الفتنة القادمة قد تكون شديدة قاسية، لأن مجازر اليهود بزعامة شارون قد نالت كل بيت، بل كل أسرة، وسوف لا ينسى الشعب هذه المجازر البشعة، ولا يغفرها لمن يتنازل لليهود عن حقوقه.

كما أنا كذلك ننصح وننذر زعماء الشعوب الإسلامية، وبخاصة الزعماء العرب، من الاستسلام الذليل لليهود، فإن ذلك سيجر على المنطقة كلها دمارا لا يعلم آثاره إلا الله لأن العدو اليهودي لا يشبع من التنازلات العربية، بل كلما قدم له تنازل طمع في غيره...

ومعلومة هي جغرافية دولته التي يريد الوصول إليها، من النيل إلى الفرات... وهو جاد وليس بهازل... وإظهار اليهود الرغبة في السلم، ما هو إلا وسيلة من وسائلهم الماكرة، ولا يثق في عهود اليهود ومواثيقهم إلا مغفل جاهل بطبيعتهم وتاريخهم، أو عميل خائن يريد أن يحقق لهم أهدافهم...

وإن من أهم واجبات علماء المسلمين ومفكريهم وكتابهم وأدبائهم، وساستهم وإعلامييهم، وأعيانهم وأهل الحل والعقد في كل البلدان الإسلامية، أن يقفوا وقفة رجل واحد، كل في موقعه، ضد العدوان الأمريكي الصليبي اليهودي الصهيوني، وضد كل من يقف في صفهم – من زعماء العرب والمسلمين- ضد الحركة الجهادية في فلسطين، للأمور الآتية:

الأمر الأول:
إن اليهود احتلوا الأرض الإسلامية المباركة، وأخرجوا أهلها من ديارهم أنزلوا بهم من الظلم ما لا يخفى على أحد بدون حق، ويجب على الجميع محاربتهم حتى يجلوا عن أرض الإسلام، وببقائهم فيها وعدم إخراجهم منه يأثم الجميع.

الأمر الثاني:
أن الخطر اليهودي يهدد المنطقة العربية والإسلامية كلها، وقد غرس الصليبيون الجدد الدولة اليهودية في قلب الأمة الإسلامية، من أجل السيطرة على أهم مناطق المسلمين في الكرة الأرضية، من حيث القداسة، والجغرافيا الأرضية والجوية والبحرية والاقتصادية، والعسكرية...

الأمر الثالث:
أن من أهم أهداف أمريكا وحلفائها الغربيين، والدولة اليهودية، تغيير جغرافية المنطقة السياسية، تغييرا جذريا، بالمزيد من انقسام دولها، وبالمزيد من إيجاد النزاع والشقاق بين حكامها وشعوبها، لما في ذلك من ضعفها، وتقوية أعدائها من اليهود وأعوانهم.

فقوة العدو اليهودي والصليبي وغيرهما من عباد الأوثان، وتفوقهم على المسلمين – ومنهم العرب – إنما هي في ذلك النزاع والتصدع اللذين أصبحا سمة بارزة من سمات هذه الأمة، التي تملك من عوامل الوحدة وجمع الكلمة، ما لا تملكها أمم الأرض كلها.

الأمر الرابع:
أنه لا يوجد بديل للجهاد في سبيل الله يمكن أن يقي المسلمين من استعباد أعدائهم لهم، والعدوان على ضرورات حياتهم، فالقوة الشاملة: الإيمانية، والعبادية، والتشريعية، والأخلاقية، والاجتماعية، والتعليمية، والإعلامية، والاتصالية، والاقتصادية، والتجارية، والزراعية، والعسكرية، هي التي تحفظ للمسلمين هيبتهم، وتجعلهم قادة في الأرض، ومتبوعين لا تابعين، وتلك هي معاني الجهاد في سبيل الله.

ولقد جرب المسلمون هذا السبيل في قرونهم المفضلة هذا السبيل، فوجدوا أنفسهم أعز أهل الأرض، وأغناهم، وأشدهم بأسا، وأنفعهم للعالم، من المسلمين وغيرهم.

وجربنا نحن في عصورنا المنحطة، كل مبدأ وكل تشريع، وكل وسيلة وكل سبب غير مبدأ شرع الله، وكل وسيلة غير وسيلة الجهاد –بمعناه الشامل - وسببه، فلم نزدد إلا انحطاطا وعبودية لغير الله الخالق.

الأمر الخامس:
أن الواجب على المسلمين، أن يتناصروا فيما بينهم، وأن يتعاونوا على البر والتقوى، ولا يتعاونوا على الإثم والعدوان، ولا يجوز لهم خذلان بعضهم بعضا، وإسلام بعضهم بعضا لعدوهم، وهل يوجد على ظهر الأرض من هو أحق بالمناصرة، من المجاهدين في سبيل الله، الذين يبذلون أنفسهم وأموالهم، ويؤثرون الموت على الحياة، و التعب على الراحة، من أجل نصرة الإسلام والذب عن حوزة المسلمين، والدفع عن أرضهم وعرضهم.

وهل يوجد بر يجب التعاون عليه، أعظم من التعاون على الجهاد في سبيل الله الذي أصبح اليوم فرض عين على جميع المسلمين، حتى يطردوا عدوهم من أرضهم؟

وهل يوجد إثم وعدوان يحرم على المسلمين التعاون عليهما، أعظم من التعاون على حرب الجهاد والمجاهدين في سبيل الله؟

لكم الله أيها المجاهدون!

أيها المجاهدون في سبيل الله، لقد اخترتم أصعب الطرق لنصر دين الله، وطلب العزة للمسلمين، والدفع عن ضرورات حياتهم، والوقوف ضد العدو الذي احتل أرضهم وديارهم، لدحره عن عدوانه، ورد كيده في نحره، ألا وهو طريق الجهاد في سبيل الله، ولكنه الطريق الوحيد الذي لا يوجد في الأرض سواه لتحرير الأرض، ونصر المظلوم، ورفع راية الإسلام، وشرع الله وسجلات التاريخ، وتجارب الأزمنة كلها براهين على ما أقول، وإن زعم الرعاديد والجبناء غير ذلك.

وإن ما نعانيه اليوم من جراء ترك هذا السبيل، من ذل وهوان واستعباد لأعظم من أي دليل وبرهان يزهق دعوى الذين فقدوا عزة الإسلام وكرامة المجاهدين، فاستسلموا للعدو بحجة طلب السلم الذي جنحوا له، ورفضه العدو، والأصل ألا يجنح المسلم لسلم الهوان الذي يكون فيه العدو عاليا على المسلمين، وإنما يجنح المسلمون للسلم الذي يجنح له العدو ويستسلم صاغرا غير عال ولا مستكبر في الأرض، والمسلمون أقوياء منتصرون، لا ضعاف مهزومون. فخالفوا شرع الله ونهيه اللذين سطرهما في كتابه: فقال:

" وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وءاخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون(60) وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم(61) وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين(62)" الأنفال.

وقال: " فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم" سورة محمد (35)

وإن الخسائر التي تلحق المجاهدين، من جراحات وعذابات، وسفك دماء وفقد أرواح، وهدم بيوت، وجوع وعطش، وخوف وبرد وحر ومرض، بسبب جهادهم في سبيل الله، لهي أهون وأيسر من الخسائر التي تلحق المسلمين بترك الجهاد في سبيل الله.

فاستمروا أيها المجاهدون في جهادكم، واصبروا وصابروا، فأنتم حماة الأمة وحافظو دينها، وأنتم رفيق الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.

جاهدوا والله معكم، وإن خذلكم أهل الأرض جميعا، جاهدوا أعداء الله من اليهود والصليبيين، وأبشروا بإحدى الحسنيين: النصر المؤزر، أو الشهادة المبتغاة، ولينتظر عدوكم إحدى الطامتين: إنزال الله عقابه وعذابه بنصركم عليه وإذلاله، أو عقابه المباشر في الدنيا والآخرة: ((قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون)) [التوبة: 52]

وإن إخوانكم المسلمين الذين لا يخافون إلا الله مثلكم في كل أنحاء الأرض، ليتحرقون شوقا إلى الوقوف في صفكم، مناصرة لكم، ورفعا لراية الإسلام دينهم ودينكم، ولكن الأنظمة التي تخاف غير الله أشد من خوف الله هي التي تحول بينهم وبين ما يشتهون...

ولعل يوم النصر والفرقان الذي يجمعهم بكم، ويجعل الذين يصدونهم عن نصرتكم ويخذلونكم، يطلبون منهم ومنكم النجدة على العدو المتربص بهم وبكم، لعل هذا اليوم آت قريب... فليس من أمل بعد الله في قهر العدو ودحره، ونصر الإسلام والمسلمين، وغسل العار عنهم إلا أنتم أيها المجاهدون... ومهما علا العدو وتجبر وبلغ من القوة المادية ذروتها، فإن نهايته الهزيمة والمحق، فما ارتفع شيء من هذه الدنيا إلا وضعه الله، كما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
اضافة رد مع اقتباس