مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #1  
قديم 10/12/2011, 04:03 PM
الصورة الرمزية الخاصة بـ عموري 511
عموري 511 عموري 511 غير متواجد حالياً
زعيــم متواصــل
تاريخ التسجيل: 26/10/2007
المكان: الرياض
مشاركات: 107
Post الكسوف أحكام وتنبيهات

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من المتوقع إن شاء الله حدوث كسوف كلي للقمر غدا ولذلك أردنا أن نضع بين أيديكم
خطبة مفيدة عن الحقائق الشرعية للكسوف نافعة للجميع إن شاء الله ويمكن أن يستفيد
منها الأئمة في قراءتها على المأمومين بعد صلاة الكسوف.
والخطبة هي لرئيس مكتب الدعوة بالفقارة عبدالله بن رجا الروقي بعنوان:
الكسوف حقائق وتنبيهات.

الخطبة الأولى
أما بعد: فإن حادثة الكسوف لا ينبغي أن تمر هكذا دون تدبر وتأمل في أسبابها ونتائجها، ومن هنا كان لا بد من بيان بعض الأمور المتعلقة بالكسوف:
الأمر الأول: العلم بوقت الكسوف ليس من أمر الغيب، بل يمكن إدراكه بالحساب، فيمكن للفلكيين أن يعلموا بوقت الكسوف، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله المتوفى سنة 728هـ: "إذا تواطأ الحساب على وقت الكسوف فإنهم لا يكادون يخطئون" انتهى.
الأمر الثاني: ما سبب الكسوف؟ الكسوف له سببان: حسي وشرعي، أما السبب الحسي في كسوف القمر مثلا فهو أن الأرض تحول بين الشمس والقمر، فإن النور الذي على القمر هو من نور الشمس، فإذا أذن الله بكسوف القمر حالت الأرض بين الشمس والقمر فحجبت نور الشمس أن يقع على القمر، فيحدث الكسوف بإذن الله.
هذا هو سبب الكسوف المحسوس لدينا، لكن ما سبب الكسوف الشرعي؟ الجواب هو ما قاله أصدق القائلين سبحانه: وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا، والشمس والقمر من آيات الله، والتخويف هو من العذاب الذي يخشى أن يقع بالناس بعد هذا الكسوف، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حديث النبي عن الكسوف ثم قال: "فذكر أن من حكمة ذلك تخويف العباد كما يكون تخويفهم في سائر الآيات كالرياح الشديدة والزلازل والجدب والأمطار المتواترة ونحو ذلك من الأسباب التي قد تكون عذابا، كما عذب الله أمما بالريح والصيحة والطوفان، قال تعالى: فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ، وقد قال: وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا، وإخباره بأنه يخوف عباده بذلك يبين أنه قد يكون سببا لعذاب ينزل" انتهى، وقال أيضا: "وهذا بيان منه أنهما -يعني كسوف الشمس والقمر- سبب لنزول عذاب بالناس" انتهى، وقال أيضا: "والتخويف يتضمن الأمر بطاعته والنهي عن معصيته" انتهى.
قال ابن القيم رحمه الله: "يحدث الله سبحانه عند الكسوفين من أقضيته وأقداره ما يكون بلاء لقوم ومصيبة لهم، ويجعل الكسوف سببا لذلك؛ ولهذا أمر النبي عند الكسوف بالفزع إلى ذكر الله والصلاة والعتاقة والصدقة والصيام؛ لأن هذه الأشياء تدفع موجب الكسوف الذي جعله الله سببا لما جعله، فلولا انعقاد سبب التخويف لما أمر بدفع موجبه بهذه العبادات، ولله تعالى في أيام دهره أوقات يحدث فيها ما يشاء من البلاء والنعماء، ويقضي من الأسباب بما يدفع موجب تلك الأسباب لمن قام به أو يقلله أو يخففه، فمن فزع إلى تلك الأسباب أو بعضها اندفع عنه الشر الذي جعل الله الكسوف سببا له أو بعضه؛ ولهذا قل ما تسلم أطراف الأرض حيث يخفى الإيمان وما جاءت به الرسل فيها من شر عظيم يحصل بسبب الكسوف، وتسلم منه الأماكن التي يظهر فيها نور النبوة والقيام بما جاءت به الرسل أو يقل فيها جدا" انتهى.
إذن -أيها الإخوة- العلم بزمن الكسوف لا يعارض ما جعل الله هذه الآيات سببا له من التخويف لكي نتوب ونرجع إلى ربنا عز وجل؛ ولذا كان أعلم الناس بربه وأخوفهم له محمد إذا رأى الكسوف خرج فزعا يخشى أن تكون الساعة ثم صلى صلاة طويلة طويلة حتى كان بعض الصحابة يغشى عليه من طول القيام، يقول جابر: فصلى رسول الله بأصحابه فأطال القيام حتى جعلوا يخرون. رواه مسلم. وكان يبكي في سجوده في صلاة الكسوف ويقول: ((رَبِّ لَمْ تَعِدْنِي هَذَا وَأَنَا أَسْتَغْفِرُكَ، لَمْ تَعِدْنِي هَذَا وَأَنَا فِيهِمْ)). تقول عائشة رضي الله عنها: ما رأيته ركع ركوعا أو سجد سجودا أطول منه. ورأى النبي في صلاته هذه الجنة وعرضت عليه النار، فرأى فيها امرأة تعذب في هرة لها ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض، ورأى فيها عمرو بن لحي الخزاعي الذي دعا إلى عبادة الأصنام يجر قصبه في النار.
معاشر المؤمنين، إن ما سبق ذكره يدل على عظم خوف النبي من الله وعلمه بأن الكسوف تخويف من العذاب، وكذلك كانت حال أصحابه رضي الله عنهم، فالسلف -رحمهم الله- جمعوا بين العمل الصالح والخوف من الله، أما نحن فجمعنا بين المعاصي وقلة الخوف من الله قال تعالى: كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ. قال الحسن البصري رحمه الله: "هو الذنب على الذنب حتى يعمى القلب ويموت".


الخطبة الثانية
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، ولنقلع عن الذنوب، ففِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ أنه قال: ((لَا أَحَدَ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ))، وخطب النبي الناس بعد صلاة الكسوف فكان مما قال: ((يا أمة محمد، ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته, يا أمة محمد، لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا))، ثم رفع يديه فقال: ((ألا هل بلغت؟!)).
قال ابن القيم رحمه الله: "وَفِي ذِكْرِ هَذِهِ الْكَبِيرَةِ بِخُصُوصِهَا عَقِبَ صَلَاةِ الْكُسُوفِ سِرٌّ بَدِيعٌ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ، وَظُهُورُ الزِّنَا مِنْ أَمَارَاتِ خَرَابِ الْعَالَمِ، وَهُوَ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: لَأُحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثًا لَا يُحَدِّثُكُمُوهُ أَحَدٌ بَعْدِي، سَمِعْتُهُ مِنَ النَّبِيِّ يَقُولُ: ((مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ وَيُشْرَبَ الْخَمْرُ وَيَظْهَرَ الزِّنَا وَيَقِلَّ الرِّجَالُ وَتَكْثُرَ النِّسَاءُ، حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً الْقَيِّمُ الْوَاحِدُ)). وَقَدْ جَرَتْ سُنَّةُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فِي خَلْقِهِ أَنَّهُ عِنْدَ ظُهُورِ الزِّنَا يَغْضَبُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَيَشْتَدُّ غَضَبُهُ، فَلَا بُدّ أَنْ يُؤَثِّرَ غَضَبُهُ فِي الْأَرْضِ عُقُوبَةً. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: (مَا ظَهَرَ الرِّبَا وَالزِّنَا فِي قَرْيَةٍ إِلَّا أَذِنَ اللَّهُ بِإِهْلَاكِهَا)" انتهى.
عباد الله، لقد ضل أقوام فقالوا: إن الكسوف أمر عادي طبيعي عرفنا سببه بعد تطور العلم. سبحان الله! أما كان هذا السبب الحسي موجودا في عهد النبي فلم يذكره ولم يلتفت إليه وهو الذي لا ينطق عن الهوى؟! إن هذا الكلام لا يقوله من يؤمن بالله حقا، وهذا الزعم وهو أن الكسوف أمر عادي قد رده أهل العلم ومنهم العلامة ابن عثيمين رحمه الله حيث قال: "وفي قوله : ((افزعوا)) حين الكسوف ما يدل على أنه لا بد أن نشعر بالخوف حتى يتحقق الفزع؛ إذ لا فزع بدون خوف، وعلى هذا تكون الدعوة إلى عدم الخوف عند الكسوف من المحادة لله ورسوله " انتهى.
إن الذين يبارزون الله بالمعاصي وهم يرون الكسوف فلا يخافون ولا يتوبون يخشى أن يصدق عليهم قوله تعالى: وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا.
اللهم لا تؤاخذنا بذنوبنا ولا بما فعل السفهاء منا...


اضافة رد مع اقتباس