شيءٌ ما يضخ الحياة في عروقي ، كأنني بدأتُ أعتاد هذه الحياة الجديدة .. بتفاصيلها البائسة ، والرعب الذي تبثهُ في أنحائي .. فكرتُ أن أدعو ليلى إلى المنزل لنقضي القليل من الوقت .. أو ربما .. لأقتل الوقت الثقيل ، فهو يُصر على التباطؤ دائماً !
ومنذ فترة لم أطهو شيئاً .. تبعثر تفكيري وأنا أسعى لأن أُقدم طبقاً لذيذاً كسابق عهدي .. أمضيتُ الكثير من الوقت بين المواد الغذائية في محاولة يائسة لإعداد طبق حلوى !! أكتفيت بتجهيز القهوة .. وأنتظرتُ وصولها بين الهدوء الرتيب والحزن المتجسد حولي .. تخيلت أنني أمر بسن الكهولة ، إذ إنني أعيشُ وحدي .. ولا زوار يطرقون الأبواب ، أو أحباب يلتفون حولي .. كأن السنين تقفز بي الى عالم الشيخوخة !!
حضرت ليلى ، كنت أعرف أنها لن تأتي خاويةً .. إذ أحضرت معها العصير المفضل لدي .. و بعض المعجنات التي سبق أن أعددناها سويةً .. ما أجمل أن يُضيء البيت لأجل ليلى .. إنها هبة من الله أحمدهُ عليها . لم أعرف بماذا أتحدث .. فلم يحدث شيء خلال الفترة الماضية ، لم تتغير الحياة بإستثناء بقاءي في هذا البيت . بدأت حديثها بأن قالت .. " يبدو أن صندوق البريد ممتلئ ..فقد رأيتُ ساعي البريد يُحاول إدخال مظروف لكنه لم يُفلح .." حسناً .. لقد تذكرت بأنني نسيت أمر صندوق البريد ، فحتى الصُحف لم أطلع عليها .. لم يعد هناك ما يُهم ، هكذا حدثتُ نفسي .
بعد أن ودعتني ليلى و مضت .. أتجهتُ الى صندوق البريد ورغم عدم إكتراثي بأي رسائل وصلتني الا أنني فتحته .. وكان به الكثير من المظاريف والصحف .. أخذت ما أمكنني أن أحمله و دخلت الى البيت ، وعلى المنضدة كنتُ ألتقط رسالةً فأخرى .. أكثرها كانت مُجرد فواتير وبعضها كانت تخص والدي يرحمه الله .. لكن رسالةً غريبة من عنوان مجهول! فتحتها على عجل فأنا الآن أعيش حياةً غريبة وأتوقع أن تحدث بعض الأمور الغريبة ايضا .
وفي الرسالة كان ما لم أستطع تصديقه !! حسناً .. لا يُمكن أن يكون هذا حقيقا !! ظننت أنني أحلم .. أو ربما أُشاهد فيلماً خيالياً !! قفزتُ الى الهاتف .. وعلى الجانب الآخر كانت ليلى تتحدث .. فقلت لها دونما إنتظار " هل تعرفين ماذا حصل ؟! وصلتني رسالة من شخص مجهول .. بها تذكرتين سفر و حجز إقامة بأحد الفنادق !!"
لم أكن وحدي من أصابه الذهول بل إن ليلى ذُهلت وتعجبت أكثر مني .. وحينها فقط تذكرت ما حدث في حسابي المصرفي وأخبرتها به ، لكنها لم تستطع التصديق!
ومازلتُ اتأمل التذكرتين .. أحداهما باسمي والأخرى باسم ليلى .. وحجز الفندق كان باسمي ايضاً ..!! ليس هذا ما شد انتباهي فحسب ، فـــ المدينة التي سنطيرُ لها من أغلى المدن في السياحة !! لطالما سحرتني طبيعتها و أذهلتني حضارتها ، سبق وأن تمنيت زيارتها لكننا لا نقدر على كل التكاليف .. والآن الحُلم يُصبح واقعاً فجأة !!
هل يُعقل أن يكون هناك من يُدبر لي مكيدة ما تحت غطاء التعاطف !! أم لأنني وحيدة فوجدني أحدهم طُعماً له !!
كنت لا أزال غارقة في التكفير ... مضطربة جداً .. وبين ترددي من قبول هذا العرض الكبير ورفضه ، رفعتُ يديّ إلى السماء وناجيتُ ربي .