مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #1  
قديم 09/09/2009, 05:07 PM
المنتدى الاستشاري المنتدى الاستشاري غير متواجد حالياً
المجلس العام
تاريخ التسجيل: 28/04/2003
المكان: المجلس العام
مشاركات: 2,104
على مائدة الإفطار ( 5 ) / مـوازيـن الحـق





فكرة واعداد وتحرير : شـذى
كتابـة المقدمـة : القاضي
قطع الصوت : الهنوووف
تصميــم : عسيريه



المـقـدمـة

بقـلم : القاضي

كيف تكتبُ مقدمةً عنْ رجلٍ بحجمِ و هامةِ و مكانةِ الشيخِ الجليلِ عليٍّ ، أديبِ الفقهاءِ
و فقيهِ الأدباءِ. كان بين أظهرنا لكنّه سبق زمانه بعقود. كتبه و برامجه في الرادِّ و في
الرائي (بحسب ما كان يطلق عليهما الشيخ) تترجم له خير ترجمه. محدثكم يتجنب
الكتابة عن من يحبهم و يجلّهم و يعْظُمُ ذلك ، أي التجنب ، إنْ هم لحقوا بالرفيق الأعلى
و مرد ذلك لأنني لا أتمالك نفسي حين أذكرهم فيختلط حبري بدمعي و يعتصرني الألم
فأحار كم يحار الطفل الرضيع إذا بحث عن أمه فلم يجدها.

شهر رمضان له عبق و رائحة زكية عطرة و خلاله تصفوا النفوس و تسمو الأرواح
و ذلك لتشريف ربنا عز و جل له عن باقي شهور السنة، و كذا فعل شيخنا الجليل ،
نوّر الله ضريحه ، فكان أن خصّ هذا الشهر ببرنامج خاصٍ (على مائدة الإفطار) يعرض
في التلفاز يومياً عقب صلاة المغرب في مكة المكرمة. هذا البرنامج ذاع صيته و اشتهر
و ارتبط الناس به و بصاحبهِ أيما ارتباط . المثير للدهشة ، وهو ليس كذلك لمن عرف و تابع
الشيخ رحمه الله ، أن هذا البرنامج بأكمله كان يسجل خلال يومين فقط ، ثلاثون حلقة كاملة
تسجل واحدةً تلو الأخرى ، رحم الله شيخنا الجليل ما أشدّ عزمه على عظم تواضعه.

كنت أرى والديَّ رحمهما الله وهما يشاهدان الشيخ ، و أمثالهما كثر ، فلا تكاد تسمع شيئاً حولك
إلا صوت الشيخ و هو يعلق و ينصح و يشرح. شكّلَ الشيخُ و برنامجه ذاك بعداً آخر لرمضان ،
طعماً حسناً و رائحة زكية . يأتيك بعد بضع عشرة ساعة من الصيام ليخاطبك بكلام لا يمر بأذنك
إلا سريعاً ليستقر في قلبك و جنانك ، فالتصق وقت الإفطار بالشيخ و برنامجه و حين أعادت
قناة المجد بعض حلقاته قبل عامين أتت صور الذكريات تترى و امتلأت المآقي بالدموع.

إني لأنصح كل من يقرأ هذا الكلام أن يقتني كتب الشيخ ليقف بنفسه على هذه الثروة الأدبية
و المعرفية و التربوية ، و أحث بشكلٍ خاصٍّ بـ " حديث النفس" ثم بسلسلة ذكريات الشيخ
و تقع في ثمان مجلدات .

أختم بما قاله الدكتور أحمد السباعي عن الشيخ فقد كتب : ( أكاد لا أعرف قلماً معاصراً
ظلمته الأقلام ، و أديباً عقه الأدباء ، و محدثاً أغفله المحدثون ، و قمة تجاهلها المتسلقون ،
كمثل الطنطاوي ..)















* الرحلة الخامسة *

مـوازين الحـق



في سير عمر بن عبدالعزيز : أن عمر كان ينهي سليمان بن عبدالملك عن قتل الحرورية
( أي الخوارج ), ويقول : ضعهم في الحبس حتى يحدثوا توبة . فأتي سليمان ( وهو الخليفة )
بحروري مستقتل ,فقال سليمان : إيه ؟ فقال : نزع الله لحييك يافاسق يا ابن الفاسق . فقال
سليمان : عليّ بعمر بن عبدالعزيز . فلما أتاهـ عاود سليمان الحروري فقال : ما تقول ؟ قال :
وماذا أقول: يافاسق ابن الفاسق ؟ فالتفت سليمان إلى عمر وقال : يا أبا حفص , ماذا ترى عليه؟
فسكت عمر , فقال : عزمت عليك لتخبرني . قال عمر : أرى عليه تشتمه كما شتمك .



هذا وسليمان أمير المؤمنين والحاكم المطلق فيما ندعوه اليوم بجمهورية سورية , ولبنان , والأردن ,
وفلسطين , والعراق , وإيران , والأفغان , وأرمينيا , والباكستان , ومصر , والسودان , وتونس ,
والجزائر , ومراكش , وإسبانيا , والبرتغال , والسعودية , واليمن .... وبلاد أخرى لعلي نسيتها .
كان له وحده الأمر والنهي فيها , والعطاء والمنع , وكان سيد العالم وأعظم ملوك الأرض , يشتمه
ثائر وقح أقبح الشتم , فلا يرى عمر عقوبة له إلا أن يرد الخليفة الشتيمة عليه ,



وحكومتنا ( حفظ الله حكومتنا ) إذا كتبت جريدة تنكر الله باسم الكلام على (( الوجودية )) أو تفسد
أخلاق الناشئة باسم التقدمية ,أو تسفه عقائد الأمة وتسخر من دينها باسم تلخيصها كتاباً سخيفاً
لمؤلف جاهل , لم تقل لها شيئاً ,بل إنها تأتي بمن كتب ينكر الله فتجعله مفتشاً وموجهاً .وإذا كتب
عنها أحدُ من الصحفيين كلمة أمسكت بتلابيبه , واستاقته إلى القاضي !




ولو أخذت بحكم عمر لزلزلت الأرض بمن يعدو على الدين , أو يسيء إلى الخلق , أو يؤذي الوطن ,
ولو كلت بمن يسبها رجالاً من ذوي الأقلام الحادة والألسنة الطويلة , فوضعتهم في دائرة المطبوعات ,
وسلطتهم عليهم يناوشونهم ويقرعون حججهم بأقوى منها ويضربون شتائمهم بمثلها ,
واستراحت وأراحت القضاء .


من كتاب - ( مقالات في كلمات ) الجزء الثاني .





من طرائف الشيخ

يقول رحمه الله عن رحلته إلى صوفر لاستقبال الأمير شكيب أرسلان : لما دخلنا الفندق كان معي
الأثري والبيطار وهما يلبسان عمامتان عاليتان والشيخ ياسين الرواف وهو سيد من سادة نجد ويلبس
عقال نجدي وأنا وعز الدين التنوخي نلبس الطربوش فلما دخلنا سلم علينا شباب فقلنا وعليكم
السلام يا إخواننا .. فما كان منهم إلا أن ضحكوا وضحك الحاضرون فقلت لأحدهم : لماذا تضحك ؟
هل تجد في هيئتي ما يضحك ؟ فازداد الخبيث ضحكاً . فهممت به , فوثب الحاضرون فقالوا : ياللعجب ,
أتضرب فتاة ؟
وإذا الذين حسبناهم شباناً فتيات بسراويل و بدلات فسرنا ونحن مستحيون نحاول أن لا
نعيدها كرة أخرى . ولما خرجت في الليل لمحت في طريقي واحدة من هؤلاء النسوة فحيتنا , فقلت
لها مساء الخير مدموزيل قالت مدموزيل إيه ياوقح ؟ فقلت في نفسي إنها متزوجة وقد ساءها أني
دعوتها بالمدموزيل ( الأنسة ) وأسرعت فتداركت الخطأ وقلت بردون مدام . قالت مدام في عينك يا
قليل الأدب بأي حق تمزح معي ؟
أنا فلان المحامي , فقلت عفواً بردون . ووليت هارباً وذهبت إلى صاحب
الفندق فرجوته أن يعمل لنا طريقة للتفريق بين الرجل والمرأة في بيروت .








5- عتيبية هلالية .
عضوة مميز بالمجلس العام



عندما هممت بالكتابة عن العلامةِ الكبير،الفقيه النجيب، والأديب الأريب "علي الطنطاوي"
خجلت الكلمات التي ستوفي برجلٍ مثل هذا .. !! إن اللوحة التي رسمت إنسان صانع لإثر كبير
في أمة إنها عظيمة التشكيل ومبهرة بالوصف ,عندما تكون كلماته كالوصفة السحرية تدفعك بالأمل
وتمدك بالمعرفة .وكأن أمامك جبلاً شامخاً بالعلمِ والمعرفة, .كلماته كالنور التي تجعل سادة الكلمة
لحديثه نبراس للمؤمنين الاخيار ,.ماقرأت عن أديب الفقهاء وفقيه الأدباء ..رحلة طويلة تزخ بالدروس ..
ابتدأ تنفس العلم من ابوابِ جامع التوبة.. كرست في شيخنا الاديب القوة الفكرية التي جعلت من
الطنطاوي رجل ذوهمة وصاحب عزيمة حتى جعلته رجلٍ نافح عن الدعوة وتذود عن حياض الدين ..
فظهرله صديق الطفولة أنور العطار ..حينها اجتمع الاثنان على هدف واحد .. إنه هم الإسلام ؛هكذا
كانت الصحبة اجتمعا على الخير وسارا طريقهما ..كما يكون الاخيار ..الطنطاوي اخذ لحياته مسار اخر..
عند إنتقاله للعراق وكثرة الأسفار ..فأخذ موهبة الادباء ..حديث منمق .. الاسلوب السهل الممتنع
الذي يجعل من حديثه ملامسة للواقع , الهدف الواضح من نسجه للحروف. ..جعل لكل قارئ من
احرفه عشق الادب كمايقول الادباء" الأديب ليس فقط من يكتب الأدب ..ولكن الأديب من يعلمك كيف
تعشق الأدب " هكذا هو شيخنا وأديبنا ,اخذ نهج الكبارمن الادباء .قصيدة العشماوي في رثاء أديبنا .
كانت خير الكلام يقولِ فيها :


يا مازج العلم بالآداب كم هرعت ** إليك أحرفنا الخضراء تؤويها
ها نحن نغرس أشجار الشموخ ** على شطآننا وبماء الحب نسقيها
إنا لنحرس آثار الذين بنو ** بالحزم و الخلق الأسمى نقويها
إليك منا زهوراً من محبتنا ** و دعوة في ظلام الليل نزجيها

لم يكن شيخنا الفاضل "عابر " بل كان يؤدي المهمة الاصعب في الحياة وهي "ترك لإثر " , ياتي من
يعيق دربنا ويحاول تغييرمسارنا ويدفعنا للحياة هكذا هو .. يجعلنا نبحث عن الامل,الفرح والسعادة
والتغيير للافضل ؛ و لانه ليس كأي تغيير بل يحمل سلاحاً ليشق الطريق لإثره .يقول شيخنا " ((قلم
إن أردته هدية نبت من شقه الزهر، وقطر منه العطر وإن أردته رزية حطمت بهالصخر، وأحرقت به الحجر،
قلم كان عذبا عند قوم، وعذاباً لقوم آخرين
))..
ولانه ليس كأي شخص ..بل هو "علي الطنطاوي " ياسادة ,فهل سيكفي حديثنا عنه ؟!






وفي الختام انتظرونا في رحلة أخرى مع الشيخ
لنستكمل الإبحار في روائعه .

مشرفوا واستشاريوا المجلس العام
يتمنون لكم صياماً مقبولاً وافطاراً شهياً