مشاهدة مشاركة بصفحة مستقلة
  #1  
قديم 18/02/2004, 10:03 AM
الصورة الرمزية الخاصة بـ srabالهلال
srabالهلال srabالهلال غير متواجد حالياً
زعيــم مميــز
تاريخ التسجيل: 07/12/2002
المكان: السعودية - البديعه
مشاركات: 2,602
إنا لله وانا اليه راجعون (وفاة الشيخ)

وفاة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي ـ نور العلم



الزمان / 17 ذي الحجة ـ 1393 هـ ظهر يوم الخميس .

المكان / مكة المكرمة .

الموضوع / وفاة الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي .

الأحداث /
مفكرة الإسلام : هو الشيخ العلامة علم الرجال وفارس حلق السؤال وصاحب فصل المقال الإمام الهمام رفيع المقام محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر بن محمد بن أحمد بن نوح الجكني وقبيلة جكن رغم منبتها البربري في أقصى بلاد المغرب إلا أن أصولها عربية خالصة ترجع إلى قبيلة حمير، وهذا ظاهر من فصاحة أبناء تلك القبيلة ونبوغ الكثير من أفرادها في العربية والشعر والأدب .

وُلد الشيخ رحمه الله سنة 1305 هـ، عند ماء يسمى [تنبه] من أعمال مديرية [كيفا] بشنقيط وهي الآن دولة موريتانيا وما زالت شنقيط موجودة كمنطقة من مناطق مديرية [آصار] أقصى غرب موريتانيا .

نشأ الشيخ في قبيلة الجكنيين وهي قبيلة معنيّة بالعوم لأقصى درجة، وقد توفي والد الشيخ وهو صغير السن وترك لولده محمد الأمين ثروة من الحيوان والمال فانتقلت أمه للإقامة مع أخواله، وكان بيت أخواله من معاهد العلم المشهورة بالمنطقة، فحفظ القرآن على يد خاله عبد الله بن محمد، وهو في العاشرة من العمر، وتعلم رسم المصحف العثماني، وأخذ التجويد برواية ورش ورواية قالون على يد ابن خاله سيدي محمد بن أحمد بن محمد المختار، وأخذ سندًا بذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في السادسة عشر ودرس البلاغة والأدب والنحو وأنساب العرب والسير والمغازي على يد .. ولا تتعجب على يد زوجة خاله [أم ولد الخال] وهكذا نرى أن بيت أخواله كان المدرسة الأولى التي تعلم فيها الشيخ أولويات العلوم .

درس الشيخ الفقه المالكي وهو السائد ببلاد المغرب على يد كبار المشايخ ببلده، وكلهم من آل جكني، وكان يرتحل لطلب العلم في البوادي من شيخ لآخر، وكان كلما أتقن علمًا انتقل للذي بعده إذ أن العلماء هناك يمنعون الطلاب من الجمع بين فنين من العلوم، وكانت أمه سيدة صالحة معنية بتربية ولده الوحيد ومعه خادم وعدة بقرات وخرج لطلب العلوم ولم يلتفت إلى متطلبات الشباب الذي في نفس سنه لانشغاله بالترحال وطلب العلوم من مظانها ولو بعدت .

وصل الشيخ ببلاده إلى رتبة عالية من العلم حتى صار يشار إليه بالبنان ويرجع إليه في القضايا والمعضلات حتى ولي قضاء الدماء بالبلاد فكان لا يقام قصاص إلا بعد تصديقه على حكم القصاص، وجلس للفتيا والدرس واشتهر بعدالة القضاء والفقه الثاقب .

رحلته إلى الحجاز :

خرج الشيخ رحمه الله إلى الحجاز لأداء فريضة الحج وعلى نية العودة، وكان سفره برًا وكتب فيه عدة مباحث جليلة كان آخرها مبحث للقضايا الموجهة في المنطق مع علماء أم درمان بالمعهد العلمي بالسودان .

كان الشيخ قبل أن يصل إلى الحجاز قد سمع الوشايات والأكاذيب المروجة عن الوهابية وسبحان من إذا أراد شيئًا هيأ له الأسباب فلقد نزل الشيخ في بعض منازل الحج بجوار خيمة الأمير خالد السديري ودارت بينها عدة مساجلات أعجب فيها الأمير بسعة علم الشيخ فاصطحبه معه إلى المدينة النبوية، وهناك التقى مع الشيخ عبد العزيز بن صالح رحمه الله والشيخ عبد الله الزاحم رحمه الله، ودار بينهما الكثير من الحوارات اكتشف بعدها الشيخ بطلان من يروج عن الوهابية، وكان مالكي المذهب والعقيدة وعقيدة الإمام مالك هي عقيدة السلف الصالح، فوجد توافق بين عقيدته وعقيدة الوهابية، والتي هي عقيدة أهل السنة والجماعة، وبعدها رغب الشيخ رحمه الله في هذا الجوار الكريم، وعرضوا عليه الجلوس في المسجد النبوي لتفسير القرآن الكريم، وذلك بناءً على طلب من الملك عبد العزيز، والشيخ عبد العزيز بن صالح أحب المشايخ لقلب الشيخ فكان درسه للتفسير في المسجد النبوي أشبه بحديقة غناء صوت أضل الثمار وأجمل الأزهار يتحدث فيه عن كل أبواب العلوم وليس التفسير وحده .

دور الشيخ في النهضة العلمية :

ساهم الشيخ بفعالية عظيمة في إنشاء نهضة علمية رائعة بالأراضي الحجازية ونجد، عندما افتتح معهد الرياض العلمي، وكان من أوائل شيوخه ومدرسيه، وكان هذا المعهد جديدًا في طرازه وأشبه ما يكون بالنمط الأزهري، يشمل المراحل الابتدائية والثانوية والعليا، ومنهجه العلمي أيضًا يشبه المناهج الأزهرية مع اختلاف في أصل المنهج إذ الزهر أشعري المنهج في حين الرياض سلفي العقيدة والمنهج .

لم يكتف الشيخ بدروسه اليومية بالمعهد العلمي، ولكن أيضًا تفرغ لأداء الدروس في مسجده الخاص الذي بناه بجوار بيته ودرس فيه الأصول لكبار الطلبة، وأيضًا فتح بيته لحضور النوابغ من طلبة العلم يشرح لهم ويوضح لهم المشكلات، مما جعل المسؤولون عن الأمر بالرياض يقدرونه أيما تقدير وقرر الملك عبد العزيز منحه الجنسية هو وآله جميعًا، وبلغت مكانته أنه لما جاء الملك محمد الخامس ملك المغرب إلى الرياض اجتمع مع الشيخ محمد الأمين وزاره واستمع لدرس من دروسه .

وأيضًا كان للشيخ رحمه الله دور بارز في إنشاء الجامعة الإسلامية رحمة من الله على عباده المؤمنين، وبجانب التدريس بالجامعة كان الشيخ عضوًا بمجلس الجامعة ساهم في سيرها ومناهجها .

كان للشيخ رحلات علمية وبعثات خارجية امتد فيها نشاطه ومجهوده العلمي والدعوي لخارج الحجاز فقد ترأس رحمه الله عشر بعثات علمية إلى عشر دول إسلامية من ضمنها موطنه الأصلي [موريتانيا] .

وعندما تشكلت هيئة كبار العلماء بالمملكة كان الشيخ أحد أعضائها ورجالها المقدمين .

وفي رابطة العالم الإسلامي كان الشيخ عضوًا في المجلس التأسيسي ورغم مشاغله الكثيرة لم يقل عطاؤه في أي جهة ناب أو عمل بها علميًا أو إداريًا قال عنه الشيخ عبد العزيز صالح [ما رأيت قبله أحسن إدارة منه مع بُعد نظر في الأمور وحسن تدبر للعواقب، واستطاع بذكائه وفطنته أن يحبط محاولات الشيعة الروافض في اعتماد المذهب الجعفري رسميًا في رابطة العالم الإسلامي .

أهم مؤلفات الشيخ رحمه الله :

1 ـ نظم خالص الجمان في أنساب بني عدنان : وقد ألفه قبل البلوغ، ولكنه بعد البلوغ دفنه؛ لأنه كان على نية التفوق على الأقران وقد لامه مشايخه على دفنه، وقالوا كان من الممكن تحويل النية .

2 ـ ألفية في المنطق .

3 ـ نظم في الفرائض .

4 ـ منع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز .

5 ـ دفع إيهام الاضطرابات عن آي الكتاب .

6 ـ مذكرة الأصول على روضة الناظر .

7 ـ آداب البحث والمناظرة .

8 ـ تفسير أضواء البيان، وهو أجّل مؤلفاته، وأعظمها نفعًا تجلت فيه منزلته ومكانته العلمية، ولكنه لم يكمله وقام تلميذه الشيخ عطية سالم رحمه الله بإكماله، ومن عجيب الأمور أن الشيخ رحمه الله توقف عند قوله عز وجل: [أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون].

9 ـ دراسات في آيات الصفات :

هذا غير حياته التي قضاها كلها في التعليم والتدريس والإفتاء والمحاضرة في شتى المحافل العلمية .

كان الشيخ رحمه الله متصفًا بالخلاق الحميدة والشمائل الفريدة بلغ في سمو الأخلاق وحلو الخصال درجة عالية مع آية في الزهد والعفة عن زينة الدنيا، يقول عنه تلميذه العلامة بكر أبو زيد [لقد رأيت شيخنا وهو لا يدرك الفرق بين قيمة العملات النقدية ولا يعرف الريال من الدينار]، وظل طوال حياته منذ قدومه للسعودية حتى فارق الحياة لا يطلب عطاءًا ولا راتبًا ولا ترفيعًا ولا غير ذلك، ومات ولم يخلف وراءه درهمًا ولا دينارًا، وكان مستغنيًا بعفته وقناعته، وكان يقول : [لقد جئت معي من البلاد 'شنقيط' بكنز عظيم يكفيني مدى الحياة، وأخشى من الضياع فقيل له وما هو ؟ قال القناعة، ولم يأخذ حقًا على نشر مؤلفاته بل تركها للناس وطلبة العلم، وكما قال بعض محبيه له في حياته [إنه لا عيب فيه سوى عيب واحد هو أننا نفقدك بعد موتك].

وفي ضحى يوم الخميس 17 ذي الحجة سنة 1393هـ، توفي الشيخ محمد الأمين الشنقيطي بمكة المكرمة بعد مرجعه من الحج، ودفن بمقبرة المعلاة، وصلى عليه الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، وفي ليلة الأحد 20/12/1393هـ، أقيمت عليه صلاة الغائب بالمسجد النبوي، وصلى عليه صديق عمره وعلمه الشيخ عبد العزيز صالح رحمه الله .

فرحم الله عز وجل الشيخ الأجل محمد الأمين وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال : [إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالمًا اتخذ الناس رؤوسًا جهالاً فسُئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا].
اضافة رد مع اقتباس